موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

بسم الله الرحمن الرحيم
ثبت بالرؤية الشرعية أن غداً الاربعاء هو يوم عيد الفطر السعيد الأول من شهر شوال المكرم عام ١٤٤٥هـ في العراق وعموم هذه المنطقة .
نسأل الله تعالى أن يتقبل من الجميع صيامهم وقيامهم ويعيد عليهم هذه المناسبة السعيدة بالخير والبركات.
مكتب السيد السيستاني - النجف الأشرف




خطبة النصر من الصحن الحسيني الشريف لممثّل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدّسة فضيلة العلاّمة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (26/ربيع الأول/1439هـ) الموافق (15/12/2017م)

نص ما ورد بشأن الأوضاع الراهنة في العراق في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة فضيلة العلاّمة السيد احمد الصافي في (21/ شوال /1436هـ) الموافق( 7/ آب/2015م )

نصائح وتوجيهات للمقاتلين في ساحات الجهاد

نص ما ورد بشأن الأوضاع الراهنة في العراق في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة فضيلة العلاّمة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (12/ رمضان /1435هـ) الموافق( 11/ تموز/2014م )

نصّ ما ورد بشأن الوضع الراهن في العراق في خطبة الجمعة التي ألقاها فضيلة العلاّمة السيد أحمد الصافي ممثّل المرجعية الدينية العليا في يوم (5/ رمضان / 1435 هـ ) الموافق (4/ تموز / 2014م)

نصّ ما ورد بشأن الأوضاع الراهنة في العراق في خطبة الجمعة التي ألقاها فضيلة العلاّمة السيد أحمد الصافي ممثّل المرجعية الدينية العليا في يوم (21 / شعبان / 1435هـ ) الموافق (20 / حزيران / 2014 م)

----- تصريح حول الأوضاع الراهنة في العراق (14/06/2014) -----

ما ورد في خطبة الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة فضيلة العلاّمة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/ شعبان /1435هـ) الموافق ( 13/6/2014م ) بعد سيطرة (داعش) على مناطق واسعة في محافظتي نينوى وصلاح الدين وإعلانها أنها تستهدف بقية المحافظات

بيان صادر من مكتب سماحة السيد السيستاني -دام ظلّه - في النجف الأشرف حول التطورات الأمنية الأخيرة في محافظة نينوى

الكتب الفتوائية » الفتاوى الميسّـرة

حِواريّة التقليد ← → العبادات ـ المعاملات

تـوطـئـة

ها أنذا اليوم أكملتُ السنة الخامسة عشرة من عمري ، لم أدرك حينَ أفَقتُ مِن نومي صبيحته أنّ يومي هذا سيكون مسكوناً بالدهشة ، والمفاجأة ، والترقّب ، والزهو ، والانبهار . ممهوراً بالمُتعة ، والشغَف ، والمحبّة ولذّة الاكتشاف ، يوماً سينقُلني مِن مرحلةٍ سلَفَت ويضَعني على أعقاب مرحلةٍ أُخرى بدأت .
‌استيقظت مُبكّراً كعادتي كلّ يوم ، وما أنْ أنهيت واجباتي اليوميّة المُعتادة ـ تلك التي تفصل بين يقظتي وجلوسي إلى مائدةِ الإفطار الصباحيّة ـ حتّى أبصرت على وجه أبي شيئاً ما مختلفاً عمّا كنت آلفه منه كلّ يوم ، شيئاً ما جعلني أُخمّن أنّ أمراً يخُصّني باتَ يُراوده ويشغله ، ويستأثر باهتمامه .
فالعينان المفتوحتان أكثر مِن المعتاد ، كما لو كانتا تحدّقان في الفراغ ، والشفتان المضمومتان الملمومتان بعض الشيء كما لو كانتا تتهيّآن لقولٍ مُثير تهمُّ أنْ تفضي الشفة به ثُمّ تمسك ، والأصابع التي تنقر بانتظام وتُتابع نقرات وقورة على مائدةِ الإفطار : تُنبئ بأنّ القلب ممتلئ َ بعصارة أمرٍ هام ، ويُوشك لفرض امتلائه أنْ يفيض .
وما أنْ جلَسْت قِبالته على الطرف الثاني مِن المائدة حتّى بادرني ، وفي عينيه فرَحٌ رزين مكتوم قائلاً :
ـ اليوم يا بني ودّعتَ مرحلةً سلَفت مِن عمرك ، واستقبَلْت مرحلةً جديدة بدأت...‌ اليوم أصبحت في نظر المشرّع الإسلامي رجُلاً تامّ الأهليّة لأنْ تُكلَّف...‌ اليوم مَنّ الله عليك فخاطبك بالتكليف ، وتلطّف فأمَرَك ونَهاك .
وأضاف أبي :
ـ كنتَ حتّى البارحة في نظر المشرّع الإسلامي طِفلاً لم تبلغ بعد مرحلة الرجال فتركَك وشأنَك ، أمّا اليوم فقد تغيّر كلّ شيء.. أنت اليوم رجلٌ كالرجال ، مُعتَرَفٌ لك بالرجولة والأهليّة التامّة للخطاب ، وحين بلغ بك النضج هذه المرحلة ، وأسلمَك إليها ، مَنَّ الله عليك فخاطبك بأمره ونهيه .
* عفواً لم أفهَم قصدَك كيف يمنّ الله عليّ فيأمرني ؟ أيكون الأمر مِنَّة ؟ كيف يكون ذلك ؟
ـ دعني أوضّح لك الأمر بمثالٍ حتّى تعرف كيف يكون أمره لك مِنَّةً عليك... أنت الآن طالبٌ في المدرسة ، تقف مع زملاءٍ لك طلاّب ، بينكم الذكي ، والمواظب ، والمجدّ ، والملتزم ، والواعي ، وبينكم غيرهُم ، تقفون مستعدّين لأمرٍ مّا جديد سيفجؤكم ، تقفون ويمرّ السيّد المدير يستعرضكم ، وما أنْ تلتقي عيناه بعينيك حتّى يَتريّث ، ويتطلّع إليك برضى أوّل الأمر ، ثُمّ يزفّ إليك ـ مبتسماً ـ بُشرى انتقالك لمرحلةٍ طالما حلِمت بها ، معترفاً لك مِن خلال ذلك بأهليّتك التامّة لمرحلتك الجديدة ، متوجّهاً إليك مميّزاً لك من بين زملائك ، بأمرٍ ما ينمُّ عن اعتراف بأهليّتك .
ألا تشعر يؤمئذٍ باعتزازٍ من نوعٍ خاصّ لأمره ، وحُبّ لِما أمرَك به ، مشوبٌ بالاعتداد ، والثقة بالنفس ، لتوجيهه الخطاب إليك دون غيرك مِن أقرانك ، متبوعٌ بسعيٍ حثيثٍ لتنفيذ ما أمَرَك به..
كلّ ذلك والآمر مدير مدرستك ، فكيف سيكون شعورَك لو كان الآمر هو السيّد المدير العام ؟! بل كيف سيكون الحال لو كان الآمر هو السيّد المفتش العام ؟!
كيف سيكون شعورك لو كان الآمر...‌؟
‌واستمرّ أبي يرتقي بالأمر المخاطب رتبةً رتبة ، ومع كلّ رتبة يرتقيها يتجلّى لي أكثر فأكثر شيءٌ ما كان خافياً عليَّ مِن قَبل.. كما لو أنّي أفقت للتوِّ من سُباتٍ عميق ، وما أنْ وصَل أبي إلى أمر الله عزّ وجلّ وخطابه إليَّ، وتكليفه إيّايَّ حتّى صُعِقت .
* الله يخاطبني أنا... يأمرني أنا.. أنا !.
ـ نعم يا بني.. الله يخاطبك أنت.. أنت ابن خَمس عشرة سنة.. ويكلّفك أنت.. أنت ابن خمس عشرة سنة.. ويأمرُك أنت.. وينهاك أنت .
* أوَ أستحق أنا كلّ هذا التكريم.. خالِق الخلْق كلّهم يشرِّفني فيكلّفني ، جبّار السمَوَات والأرض يتلطّف فيأمرني وينهاني.. ما أحلى يومي هذا ، وما أجمل سنّتي هذه.. ما أبهى الرّجولة .
ـ عليك يا بني أنْ تطيع ما أمَرك به خالقُك فشرّفك به .
* بل سأسعى بشغفٍ عاشقٍ إلى تطبيق تكاليفه وأحكامه الحبيبة ، ولكن .
ـ ولكن ماذا...؟
* ولكن ما هي هذه التكاليف التي كلّفني بها ؟ وما هي أحكامه التي وجّهها إليَّ ؟
ـ الأحكام الشّرعيّة على خمسةِ أنحاء.. واجباتٌ ومحرّمات ومستحبّات ومكروهات ومُباحات .
* وما هي الواجبات ؟ وما هي المحرّمات ؟ وما هي المستحبّات ؟ والمكروهات ؟ والمباحات ؟
ـ كلُّ ما تحتّم عليك فعلُه فهو مِن الواجبات كالصلاة والصوم ، والحجّ، والزكاة ، والخُمس ، والأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر ، وغيرها كثير .
وكل ما تحتّم عليك تركه فهو من المحرّمات كشرب الخمر ، والزّنا ، والسرقة ، والتبذير ، والكذب ، وغيرها كثير .
وكلّ ما حسُن فعله من دون إلزام وتُثاب عليه إنْ كان بقصدِ القربة فهو من المستحبّات ، كالصدقة على الفقير ، والنّظافة ، وحُسن الخُلق ، وقضاء حاجة المؤمن المحتاج ، وصلاة الجماعة ، واستعمال الطيب ، وغيرها كثير .
وكلّ ما حسُن تركُه والابتعاد والنأي عنه مِن دون إلزام وتُثاب على تركه إنْ كان بقصد القربة فهو مِن المكروهات ، كتأخير زواج الرجل والمرأة ، والغلاء في المهر ، وردّ طلب المؤمن المحتاج إلى القرض مع القدرةِ عليه ، وغيرها كثير .
أمّا ما تُركَت لك حريّة الاختيار فيه ، أنْ تفعله أو تتركه فهو مِن المباحات كالأكل ، والشُرب ، والنوم ، والجلوسِ ، والسفر ، والسياحة ، وغيرها كثير .
* وأنّى لي أنْ أفرز الواجبات عن المستحبّات ، والمحرّمات عن المكروهات . كيف أعرف أنّ هذا واجبٌ فأفعله وأُؤدّيه وألتزم به ، وهذا حرامٌ فأجتنبه وأدَعه وأتركه وأنأى عنه . كيف أعرف أنْ...
قاطعني أبي مُبتسماً، ثمّ نظر إليَّ نظرة رحمة وإشفاق وهَمَّ أنْ يقول شيئاً إلاّ أنّه أعرض عنه مُؤثراً التريّث ، ثُمّ انكفأ فَغَاصَ في تأمّلٍ عميق .
وساد لوهلةٍ صمتٌ عميق كثيف كالفراغ لَم استطع أنْ أُخمِّن خلاله ما دار في رأس أبي ، غير أنّي كنت أرقب سحابةً داكنة مُعتمة تمرُّ متأنّيةً على جبهته ثُمّ تتشطّر فتُغطّي بقيّة قَسَمَات وجههِ وصولاً إلى شفَتَيه اللّتين انفرجتا عن صوتٍ ضعيف، فيه مِن الرّقِة والعَطف الشيء الكثير .
ـ ستميّز الواجبات عن المحرّمات ، والمُستحبّات مِن المكروهات إذا استعرضت كتب علم ( الفقه الإسلامي ) . وستجد أنّ لبعضها أركاناً وأجزاء وشرائط ، ولبعضها حَرَكَاتٌ خاصّة يجب أنْ تؤدّى بها ، ولبعضها خصوصيّات لا يُمكن أنْ تحيد عنها ، ولبعضها.. ولبعضها..
راجع كُتب الفقه الإسلامي وستجد فيها ضالّتك.. ثمّ ستكشف بعد ذلك أنّه علم واسع ، غزير ، كتبت فيه مِئات المجلّدات ، وأشبع العلماء مسائله بحثاً ، وتمحيصاً ، بعُمق قلَّ نظيره في علوم إنسانيّة أُخرى .
* وهل يجب عليَّ أنْ ألُمَّ بكلِّ هذهِ الكتب لأعرف ما يَجِب عليَّ أنْ أفعله ؟‌
ـ بل يكفيك أنْ تُراجع أخصرَها وأيسرَها على الفهم ، وستجد أنّها قُسِّمت إلى قسمين :
قِسم خاصٌّ بالعبادات ، وقِسمٌ خاصٌّ بالمعاملات .
* وما العبادات ؟ وما المعاملات ؟
ـ تمهَّل قليلاً ، وراجع كُتُب الفقه الإسلامي ، وستَعرِف تدريجيّاً ما أنت الآن بصدد معرفته .

* * *
ورحت أعدو إلى المكتبة ، علّني أعثرُ على كتب الفقه الإسلامي هذه.. أعدو ويعدو شوقي وحاجتي . وما أنْ وقَعَت عيناي
عليها حتّى أسَرتْني فرحةٌ غامرة ، هزّت كياني كلّه هزّاً عنيفاً ، أو هكذا خُيّل إليَّ .
ها هي ذِي كتب الفقه الإسلامي ، لقد وصلْتُ أخيراً إلى غايتي..
سأقرؤها ، وسأجد فيها إجاباتٍ شافية عن أسئلتي.... وسأستريح .
وعدت إلى غرفتي لهفان مسرعاً ، مزهوّاً بما أنجزت ، فتحت الباب على عجَل ، ودخلت الغرفة على عجَل ، وفتحت كتابي على عجل ، وما أنْ بدأت أقرأ حتّى ارتسمت على ملامحي خطوطٌ مِن غرابة متوحّشة أوّل الأمر ، سُرعان ما تحوَّلت إلى دهشةٍ مكتومة ، ثُمّ استقرّت متّخذة شكلَ وجَعٍ حارقٍ متوهّجٍ مؤلم .
لقد وجدت نفسي أقرأ كثيراً ، ولا أفهم شيئاً ذا بال ممّا قرأت .
ترى كيف لي أنْ أعالج حيرتي ، وحيرتي مِن نوعٍ خاصٍّ غيرُ مألوف ؟‌
وكابرت ، قلت : فلأُواصل القراءة ، ومحاوَلَة الفهم ، وإعادة القراءة . وإعادة محاولة الفهم ، علّني أستفيد .
ومرّ الوقت ثقيلاً ، بطيئاً ، متأنّياً ، كان صدري يرزح خلاله تحت ثقلٍ ضاغط ، جاثم ، لا ينفك يطاردني ، ويضيِّق خناقه عليَّ ، وبينَ يدي الكتاب وأنا أتلو ، ثمّ أتلو ، ثمّ أعيد تلاوة ما تلوت ، ولا أفهم شيئاً .
وبدأت سُحُب الخيبة تتجمّع حولي شيئاً فشيئاً ، ثُمّ راحت تتحوّل تدريجيّاً إلى ما يشبه سحابةٍ من حُزنٍ شفيف تطلع بين عيني .
لقد قرأت كثيراً ، وعليَّ أنْ أعترف أنّني لم أفهم شيئاً ذا بال ممّا قرأت .
لقد وجدت نفسي أمام كلماتٍ لم تطرق سمعي مِن قبل.. فلم أعرف ماذا تعني كلمات ( النصاب ، والبيّنة ، والمؤنة ، والأرش ، والمسافة الملفّقة ، والحول ، والدرهم البغلّي ، والأبق ، والذمّيّ ) .
كما أخذَت تتقافز أمام عيني مُفردات وتركيبات يبدو أنّها مصطلحاتٌ خاصّة بعِلمٍ لم يسبق لي دراسته ، فلم أدرِ ما المقصود بـ ( العلم الإجمالي ، والشبهة المحصورة ، والحكم التكليفي ، والحكم الوضعي ، والشبهة الموضوعة ، والأحوَط لزوماً ، والتجزّي في الاجتهاد والصدْق العُرفي ، والمَناط ، والمشقّة النوعيّة ) .
وقرأت بعد ذلك جُملاً مسبوكةً سبْكاً خاصّاً ، لم أعتدْه من قَبل ، وجُملاً عالجَت قضايا لا وجود لها في حياتي المُعاشة اليوم ، لا أدري لماذا ذُكِرت ؛ وجُملاً فيها مِن التشقيق والتفريع والعُمُق والتشطير الدقيق للاحتمالات ، تركتني في حيرة من أمرها .
فلَم أفهم ماذا تعني ـ مثَلاً ـ جملة :
(إذا عُلِم البُلوغ والتعلّق ولم يُعلَم السابق منهما لم تجب الزكاة ، سَواءٌ عَلِم تاريخ التعلّق وجهِل تاريخ البُلوغ ، أمْ عَلِم تاريخ البُلوغ وجهِل تاريخ التعلّق أو جهِل التاريخان ، وكذا الحكم في المجنون إذا كان جُنونه سابقاً وطرَأ العقل ، أمّا إذا كان عقَلَه سابقاً وطرأ الجنون ، فإنْ علِم تاريخ التعلّق وجبَت الزكاة دون بقيّة الصوَر ) .
ولا جملة : ( الظنّ بالركعات كاليقين ، أمّا الظن بالأفعال فكونه كذلك محلُّ إشكال ، فالأحوط فيما إذا ظنّ بفعل الجزء في المحل أنْ يمضي ويعيد الصلاة ، وفيما إذا ظنّ بعدَم الفعل بعد تجاوِز المحل أنْ يرجِع ويتداركه ويُعيد أيضاً ) .
ولا جملة : ( الأقوى أنّ التيمّم رافعٌ للحدَث رفْعاً ناقصاً لا يجزي مع الاختيار ، لكن لا تجِب فيه نيّة الرفع ولا نيّة الاستباحة للصلاة مثلاً ) .
ولم أعِ المقصود بـ ( إذا توضّأ في حالِ ضِيق الوقت عن الوضوء ، فإنْ قصد أمر الصلاة الأدائي بطَل ، وإنْ قصَد أمر غايةٍ أُخرى ـ ولو الكون على الطهارة ـ صحّ ) .
ولا بجملة : ( يكفي في استمرار القصد بقاء قصد نوع السفر ، وإنْ عدَل عن الشخص الخاص ) .
ولا بجملة : ( فلو أحدَث بالأصغر أثناء الغُسل أتمَّه وتوضّأ ، ولكن لا يترك الاحتياط بالاستئناف بقصد ما عليه مِن التمام أو الإتمام ، ويتوضّأ ) .
ولا بجملة : ( مناط الجهر والإخفات الصدق العرفي ) .
وغيرها كثير ممّا وقعت عيناي عليه ، ولم أدرك كنهه .
ودارت الدّنيا في عيني.. ثمّ دارت دورةً ثانية .
تُرى : كيف يتسنّى لي أنْ أعرف حلال الله فآتي به ؟ وحرام الله فأجتنبه ؟
ورفعت رأسي إلى السماء ، وفي عيني نثيث من عصارة دمع محترق ، وتَمتَمتُ .
اِلهي ! أعلم أنّك كلّفتني ، ولكنّي لا أعلم بماذا كلّفتني..
اِلهي ! أنّى لي أنْ أعرف ما طلَبتَ منّي ، لأنجز ما طلبت منّي .
اللهمّ أعنِّي على فهم ما أقرأ .
اللهمّ أعِن كتب الفقه على الإفصاح عمّا تريد قوله ، لأُحقِّق ما تُريد قوله .

* * * *
وانتظرت أبي على المائدة الليليّة مساء اليوم..
‌وحين حلّ المساء بدَت عيوني متعبة ، قلقة ، منكسرة الأجفان أوّل الأمر .‌ ثُمّ ما لبِثت أنْ أخذَت تومض ببريقٍ كالفضّة امتزج فيه الأسى بالإصرار على التحدّي .
وما أنْ انتظمت بنا المائدة ، وحضر أبي حتّى أخذ قلبي يدقّ ، وتورّدت وجنتاي ، وارتفعت درجة حرارة أُذُنَيّ كأنّ حُمّي مفاجئة اشعلَتهما ، وداهمني شعورٌ بالحرَج ، والخجَل ، والحيرة ، والارتباك ، والتردّد ، وأنا أُعيد في ذاكرتي وأردّد كلمات وجملاً توحي بالعجز عن استيعاب مادّة مقروءة .
واستنجدت بشجاعتي وبعزمي على الاعتراف بالنقص ، وقلت لأبي :
* لقد راجعت كتب الفقه فاستعصت عليّ ، وأبت أنْ تفتح لي قلبها..
وما كِدت أنهي حرفي الأخير مِن كلمتي الأخيرة ، حتّى شردَت عينا أبي ، وغارتا ـ كما يبدو ـ في مستنقع من الماضي عميق ، ثمّ عادتا بعد برهة كمَن يعود مِن سفَرٍ شاقٍ ممضّ طويل ، ودارتا حول عيني كأنّهما تريدان أنْ تقولا شيئاً ، غير أنّ شفتيه انفرجتا عن صوتٍ خافتٍ مشوبٍ بحزنٍ عميق :
ـ لقد مررْت بتجربةٍ شبيهةٍ بتجربتك ، عندما كنت في حدود سِنّك .
لقد قرأت كتب الفقه فلَم أفهم منها شيئاً ذا بال ، مثلك تماماً.. غير أنّي لم أمتلك شجاعتك فأعترف بعجزي عن فهمها .
لقد حالت تربيتي المُحافظة ، وحَجَزَ حيائي الشديد ، بيني وبين سؤال أبي عن بعض خصوصيّات مرحلة المراهقة ثمّ الرجولة ، فلم أَكُن أُدرك أنّ البلوغ قد يتحقّق بغير العمُر الزمني المحدّد له ، إلى أنْ.. وقاطعت أبي :
* وهل يتحقّق البلوغ بغير ذلك ؟
ـ نعم يا بنيّ ، يتحقّق البُلوغ في الذكر إذا توفّرت إحدى علامات ثلاث : ـ
أوّلها : أنْ ينهي خَمس عشرة سنة قمريّة مِن عمره .
ثانيها : أنْ يخرج السائل المنوي منه سَواء خرج باتِّصالٍ جنسي أَم باحتلامٍ ، أَم بغيرهما .
ثالثها : أنْ ينبت الشعر الخشِن على العانة ، أقول الشعر الخشِن المُشابِه لشعر الرأس لأستثني بذلك الشعر الناعِم الذي يُغطّي ـ عادةً ـ أكثر مناطق الجسم كاليدين مثلاً .
* والعانة ؟
ـ العانة : منطقةٌ تقع أسفَل البطن فوقَ نقطة اتّصال العضو التناسلي بجدار البطن مباشرة .
هذه علامات البلوغ للذكر ، أمّا الأُنثى ؟
ـ يتحقّق البلوغ في الأُنثى إذا أنْهَت تِسْعَ سنين قمريّة مِن عمرها .
أما وقد أفصحت لك اليوم عن قصوري ، وتلكّئي ، وعجزي عن استيعاب كتب الفقه ، فاسمح لي أنْ أقترح عليك ـ تحت ضغط الحاجة ـ أنْ تعقد لي جَلَسات تتناوَل فيها بالشرح والتبسيط كلّ ما عَسُر عليَّ فهمه ، ممّا يتوجَّب عليَّ فهمه والإحاطة به واستبيانه ، لتطبيق حكمي الشرعي ، صحيحاً كما شرّعه الله سبحانه وتعالى لي ، وأمرني به .
* ويا حبّذا لو كانت جَلَسَاتنا تنهج نهج الحِوار والمساءلة .
ـ كما تُحِب .
* ولكن بماذا سنبدأ حواريّتنا الأُولى ؟
ـ سنبدؤها بـ ( التقليد ) فهو الأساس الذي سيُحدّد لنا شكل تقاطيع وملامح ما سنطبِّقه مِن فقهنا .
* اتفقنا .
حِواريّة التقليد ← → العبادات ـ المعاملات
العربية فارسی اردو English Azərbaycan Türkçe Français