نص ما ورد بشأن الأوضاع الراهنة في العراق في خطبة الجمعة لممثّل المرجعية الدينية العليا السيد أحمد الصافي في ( 21/ شوال /1436 هـ ) الموافق (7/آب/2015
نص ما ورد بشأن الأوضاع الراهنة في العراق في خطبة الجمعة لممثّل المرجعية الدينية العليا السيد أحمد الصافي في ( 21/ شوال /1436 هـ ) الموافق (7/آب/2015م )
بسم الله الرحمن الرحيم
يمرّ بلدنا الحبيب العراق بأوقات عصيبة ويُعاني من أزماتٍ متنوعة ٍ أثّرت بصورة ٍ جدّية ٍ على حياة المواطنين ، وكانت لها تداعيات كبيرة على معيشة الكثيرين منهم . فمن جانب يواجه البلد الارهاب الداعشي الذي بسط سيطرته على أجزاءٍ كبيرة ٍ من عدّة محافظات وارتكب ولا يزال يرتكب من الجرائم ما يندى له جبين الانسانية ، وقد تسبّب في نزوح مئات الآلاف من المواطنين عن مساكنهم ويعاني الكثير منهم من أوضاع مأساوية . ولكن أبناء العراق الميامين في القوات المسلّحة بتشكيلاتها المختلفة وكذلك المتطوعون الأبطال وأبناء العشائر الغيارى هبّوا للدفاع عن الأرض والعرض والمقدّسات وقد حقّقوا انتصارات ٍ مهمّة ٍ خلال الأشهر الماضية وقدّموا التضحيات الجسام فداء للوطن العزيز ولا يزالون مستمرين في منازلتهم للأعداء بكلّ قوّة وبسالة ٍ ، حماهم الله ونصرهم نصراً عزيزاً .
والمطلوب من القوى السياسية ان توّحد مواقفها في هذه المعركة التاريخية التي هي معركة وجود للعراق ومستقبله والمطلوب من الحكومة أن تسخّر مختلف إمكاناتها لإسناد ودعم المقاتلين فإنّ لهم الاولوية القصوى في هذه الظروف ، كما أنّ شعبنا الكريم لم يبخل بشيءٍ في مساندة أبنائه المقاتلين إذ لا يزال أهل الخير والبرّ يقدّمون ما باستطاعتهم في دعمهم بأشكاله المختلفة جزاهم الله خير جزاء المحسنين.
هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ البلد يواجه مشاكل اقتصادية ومالية معقّدة ونقصاناً كبيراً في الخدمات العامّة وعمدة السبب وراء ذلك هو الفساد المالي والإداري الذي عمّ مختلف دوائر الحكومة ومؤسساتها خلال السنوات الماضية ، ولا يزال يزداد يوماً بعد يوم ، بالاضافة إلى سوء التخطيط وعدم اعتماد استراتيجية صحيحة لحلّ المشاكل بل إتّباع حلول آنية ترقيعية يتم إعتمادها هنا أو هناك عند تفاقم الأزمات .
إنّ القوى السياسية من مختلف المكوّنات التي كانت ولا تزال تمسك بزمام السلطة والقرار من خلال مجلس النوّاب والحكومة المركزية والحكومات المحلّية تتحمّل معظم المسؤولية عمّا مضى من المشاكل وما يُعاني البلد منها اليوم ، وعليها أن تتنبّه إلى خطورة الإستمرار على هذا الحال وعدم وضع حلول جذرية لمشاكل المواطنين التي صبروا عليها طويلاً.
إنّ الشعب الذي تحمّل الصعاب وتحدّى المفخّخات وشارك في الانتخابات واختار من بيدهم السلطة من القوى السياسية يتوقّع منهم ــ وهو على حقّ من ذلك ــ أن يعملوا بجدٍّ في سبيل توفير حياة ٍ كريمة ٍ له ويبذلوا قصارى جهودهم لمكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية .
والمتوقع من السيد رئيس مجلس الوزراء الذي هو المسؤول التنفيذي الأول في البلد ــ وقد أبدى اهتماهه بمطالب الشعب وحرصه على تنفيذها ــ أن يكون أكثر جرأةً وشجاعةً في خطواته الإصلاحية ولا يكتفي ببعض الخطوات الثانوية التي أعلن عنها مؤخّراً ، بل يسعى إلى أن تتخذ الحكومة قرارات مهمّة وإجراءات صارمة في مجال مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية فيضرب بيدٍ من حديد من يعبث بأموال الشعب ويعمل على إلغاء الامتيازات والمخصّصات غير المقبولة التي منحت لمسؤولين حاليين وسابقين في الدولة مما تكررّ الحديث بشأنها .
إن المطلوب منه أن يضع القوى السياسية أمام مسؤولياتها ويشير إلى من يعرقل مسيرة الإصلاح أيّاً كان وفي أيّ موقع كان.
وعليه أن يتجاوز المحاصصات الحزبية والطائفية ونحوها في سبيل إصلاح مؤسسات الدولة ، فيسعى في تعيين الشخص المناسب في المكان المناسب وإن لم يكن منتمياً إلى أيٍّ من أحزاب السلطة وبغضّ النظر عن انتمائه الطائفي أو الأثني . ولا يتردّد في إزاحة من لا يكون في المكان المناسب وإن كان مدعوماً من بعض القوى السياسية ولا يخشى رفضهم واعتراضهم معتمداً في ذلك على الله تعالى الذي أمر بإقامة العدل وعلى الشعب الذي يريد منه ذلك وسيدعمه ويسانده في تحقيقه .
نسأل الله العليّ القدير أن يأخذ بيده وبأيدي سائر المسؤولين إلى ما فيه الخير والصلاح ويحقّق لشعبنا المظلوم أمانيه في التمتع بحياة كريمةٍ في أمنٍ واستقرار إنّه سميع مجيب .